بماذا تتقدم المجتمعات ؟
جلسنا نتحدث حول أهم عوامل التقدم فى المجتمعات . قال أحدنا : إنه العلم ولا شئ سواه ، فكلما أخذ المجتمع به ، وتعمق فيه ، ونشره بين أبنائه ، وطبق مناهجه على قضاياه نجح فى حل مشكلاته ، وحقق أفضل معدلات التنمية على كافة المستويات.
وقال الثانى : إن العلم بدون العمل لا يساوى شيئاً . فلابد من بذل الجهد ، وضخ العرق لإقامة الأبنية ، وشق الترع ، وتمهيد الطرق ، وإقامة الكبارى ، ومدّ الأنفاق ، وفلاحة الأرض ، وتشغيل المصانع . .
أما الثالث فقال : لكن العلم وحده لا يكفى ، كما أن العمل وحده لا يكفى ، بل إن الإثنين لا قيمه لهما إذا لم يتحصن الإنسان بالدين ، الذى يربطه بخالق الكون ، ويحدد له مصيره وغايته ، والهدف الأساسى من وجوده ، لأن هناك فرقاً كبيراً جداً بين المجتمع الإنسانى وبين مجتمع النمل أو النحل مثلاً ، فهذه المجتمعات تعمل طوال الوقت ، وبإتقان شديد ، لكنها مجتمعات آلية أو ميكانيكية ، بمعنى أنها تسير على وتيرة واحدة ، منذ نشأت وحتى اليوم ، وستظل كذلك للأبد . أما المجتمع الإنسانى فإنه يتطور باستمرار ، وهذا التطور مرتبط دائماً باقترابه أو ابتعاده عن الله .
وقال الرابع : الدين بالفعل عامل أساسى ، وهو دافع للتضامن من أجل العمل المشترك لإقامة مجتمع فاضل . لكن الأخطاء التى تحدث فى هذا الميدان تأتى من عدم الفهم الصحيح له ، وأحياناً من الفهم غير المتكامل . وكم شهد العالم من خلافات ، وعانى من صراع فرق الناس إلى أحزاب وشيع ، وأدى أحياناً إلى قتال وقتل - وهذا بالطبع ما لم يدع إليه أى دين من الأديان .
وهنا قال الخامس : فى رأيى أنه لابد من توافر روح وطنية تجمع الناس على هدف واحد ، وهو ما يطلق عليه البعض المشروع القومى الذى يعتبر إطاراً يضم كلاً من الحكومة والشعب ، ويتفاعل فيه الجميع من أجل تحقيق مجموعة متكاملة من الأهداف ، يتم من أجلها التضحية بالمصلحة الخاصة للفرد فى سبيل تحقيق المصلحة العامة للجميع . ومن المؤكد أن هذه الروح هى التى بنت المجتمعات القوية ، وأقامت الحضارات الكبيرة .
وكان يسمعنا صديق أكبر مناً سناً وخبرة فقال : لقد تحدث كل واحد منكم عن عامل معين ، وأنا أقول لكم : لماذا لا تكون هذه العوامل كلها مجتمعة هى التى تحقق التقدم المنشود للمجتمع ؟ قلنا له : لا شئ يمنع من ذلك ، لكن كلاً منا حاول من وجهة نظره الخاصة أن يركز على عامل معين يرى أنه هو الدافع الأكثر فعالية ، والأقوى تأثيراً . .
فقال : حسناً لكن ينبغى ألا تغفلوا عن أمر هام ، هو أن المجتمع الذى يرغب فى التقدم ينبغى أن يتوافر فيه قدر كبير من الذكاء ، والحيوية، والرغبة الحقيقية فى تحسين وسائل الحياة ، والارتقاء بالبيئة المحيطة به . كذلك ينبغى لهذا المجتمع أن يشجع طاقة الخيال ، التى ينمو فيها الإبداع والابتكار من أجل تحقيق نماذج جديدة ، وأنماط مستحدثة ، وهذا ما يتيح له أن يسبق أمثاله من المجتمعات التقليدية ، وينطلق على الدوام لآفاق غير مطروحة .
وانفضت الجلسة على أمل أن تكون لدينا كل هذه العوامل ، أو معظمها ، خاصة وأن مصر كانت دائماً موئلاً للحضارات ، ونصيرة للتقدم .