لو افترضنا أننا كنا هناك في الحياة العلوية سويا متشابهين كحبات المطر أو كالذر أو كحبات البذور ، وكل واحد فينا له ما للجميع وعليه مثل ما على الجميع ، الكل متشابه الكل واحد ، والواحد منا لا يفرقه عن غيره إلا الإيمان والعبادة ، في حياة يستحيل على عقل بشري أن يستوعب مكنونها وتفاصيلها الدقيقة ، وخسر من خسر وادخر من ادخر من الحسنات والطاعات ، وازداد العاصي في عصيانه مع عطاء الله الوافر الغير محدود له من النعم التي لا تحصى والحياة الرغدة والمتع اللامنتهاه ، وازداد العابد في عبادته وتقربه من الله عز وجل واستفاد من زمانه المديد في تبتله وتودده وتذلله إلى خالقه الكريم الذي فاض بسحائب فضله على الجميع ، وجاء وقت الإنذار والابتلاء فأخذ الله نعمه من عصاته ومنحها لعباده ، لكي يرجع النادم إلى الله ،ويزداد العابد في تقربه ، فتعاملت الأنفس التي لطختها سواد المعاصي مع هذا البلاء بعكس ما كان مطلوب فازدادت في البعد والجحد والعصيان بل انهالت على نعم الصالحين بالنهب والأكل الحرام حسدا وحقدا عليهم ، بل أنهم انهالوا على الصالحين أنفسهم واستحلوا دماءهم فقتلوهم ، وقتلوا أنفسهم بزوال النعم من أيديهم بعصيانهم لله ، فهلكوا.
وجاء وقت الحساب وجاءت الفرصة – على يد أعبد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم – الذي شفع لنا عند الله فمنحنا الله التمهيل والتأخير وإعطاء فرصة أخيرة للتوبة فمنا من بكى من أجلها ومنا من بكى هروبا منها إما حمدا لله على ما قدم في الحياة العليا، أو خوفا من أن تنحدر أسهمه ورصيده عند الله ، أو لأنه تيقن أن نفسه قد تشكلت على السوء ولا سبيل للعودة إلى النقاء والطهر والإيمان فرفضوا أن يستخلفوا في الأرض ، إلا أن الله قد أمر بخلق الساعة التي على الأرض وكل ما عليها ليمهل الباكين تحت أقدام محمد لكي يعودوا إليه ، فاعطاهم الله أنفسهم كاملة في أجساد بشر ليحيوا ويموتوا فيحاسبوا على ما قدموا في الحياة العلوية وأخروا في الحياة الدنيا .
أما من رفض البقاء والفرصة الدنيوية سيحيا فيها لكن بأنفس معطلة في أجساد الكائنات الأخرى غير البشر ليحيا ويموت فيحاسب على ما قدم في الحياة العلوية فقط
. فقد تكون النحلة أفضل منك عند الله وقد تكون أنت أشد فتكا من الأسد .
المقال ل(على الماغي) وغير قابل للإقتباس